شكر واعتذار لأبطالنا الأطباء والممرضين

كتب فيصل جابر
انتشر على وسائل التواصل مقطع مؤثر لأحد الكوادرالطبية السعودية وقد خنقته العبرة وعصف به الأسى بعد أن اضطر إلى تحاشي احتضان طفله الصغير وهو يندفع راكضاً باتجاه الباب لحظة عودته، وذلك عملاً بمفهوم التباعد الاجتماعي الذي يحمي من انتقال الفيروسات.
ويختصر هذا المشهد التضحيات الجسدية والعاطفية الكبيرة التي يقدمها العاملون الصحيون في جميع أنحاء العالم في المعركة ضد الفيروس التاجي المستجد(كورونا). من إيران وأميركا وإيطاليا، تضج وسائل التواصل الإعلامي بصور ومنشورات لأطباء وغيرهم من العاملين في المجال الطبي لم يستطيعوا لجم أحاسيسهم أمام هول الوفيات التي شهدوها، ويتوسّلون الناس للبقاء في منازلهم.
لكن كان لسامية عزيز، وهي “مؤثرة” متخصصة في اللياقة البدنية مقيمة في دبي وتعرف عبر “إنستاغرام” باسم “تريندي فرنشي”، رأي آخر. حيث لم تكتف وحسب بالسخرية من المشورة الرسمية التي دعت المواطنين إلى ممارسة التباعد الاجتماعي والعزل الذاتي، بل ضربتها بعرض الحائط ناشرة مقاطع فيديو ساخرة تحث متابعيها البالغ عددهم 41 ألفاً على تجاهل التحذيرات حول المخاطر الصحية داعية إياهم للخروج والركض. “لماذا تلازمون منازلكم؟”، “افعلوا ما تريدون”، صاحت ونادت، وسرعان ما لبّت السلطات الإماراتية وشركة الملابس الرياضية العملاقة “ريبوك” نداءها، الأولى اعتقلتها والثانية تخلت عن عقود الرعاية الإعلانية معها.
وفي الكويت، أحيلت “مؤثرة” الموضة فوز الفهد إلى النيابة العامة للتحقيق معها بعد أن روّجت لجهاز منزلي لفحص فيروس كورونا المستجد، زاعمة أنه يمكن أن يكشف الفيروس بدقة 95 في المائة. بالطبع، لم يكن بوسع الجهاز القيام بما تزعم به، نظراً لأنه غير موجود في الحقيقة.
وبالطبع، تنامت على مدى العقد الماضي ظاهرة “المؤثرين” أو المدوّنين الذين يجذبون الناس إليهم بالاعتماد على وجههم الجميل أو جسمهم المنحوت وحسب. لكن من لديه أمثال أنتوني فوسي، أحد أبرزعلماء
المناعة في العالم ومدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية منذ 1984 ليقدم له المشورة الطبية، ما حاجته إلى معرفة ما تظنه “تريندي فرنشي”؟ وبكل احترام، نقول لها ولكل خبراء “الجمال الفتاك”، نهيبك أن تتركي نصائح محاربة الفيروس الفتاك لأهل الخبرة.
هذا وعلى شركات مثل “ريبوك” أن تتخذ خطوات لا تقف عند مجرد إدارة ظهرها للمؤثرين أو “الإنفلوانسيرز” في هذه الظروف، بل ينبغي على هذه الشركات أن تسخّر ميزانياتها التسويقية، إن لم يكن خطوط التصنيع والإنتاج بأكملها، لدعم الممارسين الطبيين الذين يقفون في الخطوط الأمامية لمواجهة انتشار فيروس كورونا والذين يصرخون للحصول على معدات الحماية التي هم في أمس الحاجة إليها. فالمسؤولية الاجتماعية المؤسسية ليس مجرد شعار حسن نية ترفعه الشركة وتجاهر به، بل يجب وضعه قيد التنفيذ على أرض الواقع، الآن أكثر من أي وقت مضى، إذ إن الحكومات عاجزة عن هزيمة هذا الفيروس وحدها.
ونحن في “عرب نيوز” وإيماناً منا بأهمية المسؤولية الاجتماعية، أطلقنا قسماً يومياً نسلط فيه الضوء على الأعمال السخية الخيرية والأخبار المبهجة التي تنشر الأمل في هذه الأوقات الصعبة.
نشيد بأسطورة الموضة جورجيو أرماني، الذي تبرع بمبلغ مليوني أورو للمستشفيات الإيطالية وحوّل كافة مصانعه لإنتاج الرداءات الطبية أحادية الاستعمال. وإذ نحيي رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور، الذي تبرع بـ50 سيارة إسعاف ومبنى مجهز طبياً، ويمول مختبراً جديداً للفيروسات لدعم السلطات الصحية في بلاده. وفي المملكة العربية السعودية، نشيد بسخاء عبد اللطيف جميل، وبوبا العربية، والبنك الفرنسي السعودي وغيرهم. في لبنان، نشدّ على أيدي أولئك الذين ساهموا بمبلغ 30 مليار ليرة للمستشفيات المحلية اللبنانية عبر برنامج متلفز على قناة (إم تي في) لجمع التبرعات، من رجال أعمال ونجوم لديهم حسابات مصرفية كبيرة وصولاً إلى أطفال تبرعوا بحصّالاتهم الصغيرة ومصروف جيبهم. وفي المملكة المتحدة، نحيّي الـ500 ألف بريطاني الذين تطوعوا للعمل في دائرة الصحة الوطنية (إن. اتش. اس) المجهدة.
ختاماً، لدي رسالتان أود أن أوجههما إلى كافة العاملين في مجال الرعاية الصحية، رسالتي الأولى هي رسالة شكر، إذ نشكركم على المخاطرة بحياتكم، وعلى عزل أنفسكم بعيداً عن أحبائكم، وعلى العمل لساعات طويلة مستحيلة لمساعدة أكبر عدد ممكن من المرضى. أما رسالتي الثانية فهي رسالة اعتذار بالنيابة عن كل من فشل في إعطائكم الدعم الذي تستحقونه على مر السنين، وعن كل من فشل في رؤية ما هو واضح عندما حذرنا بيل غيتس عام2015 مما سيحصل اليوم. ورسالة اعتذار عن كل من غضّ الطرف وفشل في التفكير بجدية بعد مشاهدة فيلم “العدوى” (كونتاجيون) عام 2011… فقد كان الملايين منا مشغولين على ما يبدو بما هو أهم: مشاهدة فيديو على يوتيوب لهرّ يعزف على البيانو!
رئيس تحرير عرب نيوز السعودية