كورونا… مرضى تحسنت حالتهم بهذا العلاج.. هل حان وقت الاحتفال؟

في ظل استمرار ارتفاع حالات الإصابة والوفاة بكوفيد 19 دون هوادة، بدأت خيارات العلاج تحتل صدارة الاهتمام العالمي.

فضلاً عن أن الاندفاع المشحون سياسياً في اتجاه الهيدروكسي كلوروكوين أثّر فعلياً في رأي الناس، لكن البيانات الحالية ليست مُربكة. إذ إن الفائدة -إن وُجِدَت- ستكون مُتواضعة، كما أن خطر السُمّية ما يزال قائماً.

أما العقار الآخر ريمديسيفير، فقد أثار الضجة ورفع الأمال رغم كونه عقاراً جديداً في هذا المجال، لأن حماس البدايات شائع ولكن التقدُّم الحقيقي ليس كذلك.

ولست واحداً من المُختصين الكثيرين الذين ينظرون إلى جرعة واحدة من بلازما النقاهة على أنّها العلاج الواعد أكثر من غيره الآن. وربما تبدو طريقة عمل البلازما أشبه بفيلمٍ سخيف عن الحرب العالمية الثانية، يهدف إلى تحريك الشباب والبنات في أرض الوطن: مرضى كوفيد 19 المُتعافين يتوجّهون إلى المركز الطبي من أجل التبرع بالبلازما (والأجسام المضادة الوقائية) لمساعدة المرضى.

والتقارير ما تزال واعدةً حتى الآن، لكنّها تفتقر إلى الأذرع الرقابية والأعداد الكافية للاحتفال. والأغرب والأعجب هو أن العلاج ببلازما النقاهة رخيصٌ نسبياً، إذ لا تحصل أيّ شركة أدوية، أو صندوق تحوّط شرير، أو شركة تأمين بحصة من الأرباح. بل تعتمد البلازم بدلاً من ذلك على المُتبرّعين الذين يُؤثرون الآخرين، وشبكة قائمة من بنوك الدم، وعمليات المستشفيات الروتينية للجمع والتوصيل.

هذا هو الوضع في وقتنا الحالي.

ولكن قبل أن نتحدّث عن العلاج غير المُكلّف، إليكم لمحةً سريعة عن بعض المصطلحات الطبية. إذ يتألّف نصف الدم مثلاً من الخلايا (الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية) والنصف الآخر سائل، ويُوصف النصف السائل بالبلازما ويحتوي على مُختلف البروتينات وغيرها من الجزيئات المُفيدة.

وتشتمل بروتينات البلازما على محور اهتمامنا هنا: الجسم المضاد. ويُمكن الإشارة إلى تلك الأجسام المُضادة بأسماء مثل المضاد المناعي أو الغلوبولين المناعي أو الكريين المناعي.

ومن أجل استخراج الأجسام المضادة من دماء المُتبرّع، يُسحَب الدم بالكامل داخل بنكٍ للدم (بنك قائم بذاته أو داخل إحدى المستشفيات) ويُقسّم إلى أجزاء. ثم يجري ضخ خلايا الدم الحمراء مرةً أخرى في دماء المُتبرّع لتجنّب إصابته بفقر الدم، الذي يحدث في أعقاب التبرّع العادي بالدم.

وبمجرد جمع الأجسام المضادة من المُتبرّعين المُتعافين، يدخل المُنتج في العملية المُعتادة لإدارة هذا النوع من العلاجات. وتُدير المستشفيات والعيادات عملية استخراج الأجسام المضادة بشكلٍ روتيني للعديد من الحالات غير المُتعلّقة بكوفيد 19.

إذ يعكف الصيدلاني على المراجعة والاعتماد، ثم تعمل المُمرضة على توصيل المريض بالحقن الوريدي للحصول على العلاج المليء بالأجسام المضادة لكوفيد 19. ونهج علاج البلازما الحالي هو على الأرجح المثال الوحيد على التكامل الرأسي في مجال الرعاية الصحية.

حسناً، كم تبلغ تكلفة هذا البرنامج؟ ليست للبرنامج تكاليف إضافية لأن أطقم العمل في بنك الدم والصيدليات والممرضات هم جميعاً جزءٌ من التكلفة الثابتة للرعاية الصحية. إذ قال لويس كاتز، الرئيس الطبي السابق لمراكز الدم الأمريكية والرئيس الطبي الحالي لمركز ميسيسيبي الإقليمي للدم في دافينبورت بولاية آيوا -حيث نشأ- إنّ تكلفة وحدة البلازما تصل إلى نحو 60 دولاراً في الظروف العادية.

لكن الظروف القائمة ليست اعتيادية. إذ ارتفعت الرهانات نتيجة الضجيج المُثار لضمان السرعة، والأمان، ورفع عيار الأجسام المضادة في مواجهة المهلة المُتاحة.

وأوضح كاتز: “يتعاون القائمون على بنوك الدم الآن مع القائمين على الاحتياطي الفيدرالي لوضع نموذج التكلفة، الذي أعتقد أنّه سيصل في النهاية إلى نحو 800 دولار أمريكي أو أقل [للعلاج الواحد] دون احتساب الساعات اللانهائية التي ستقضيها بنوك الدم والمستشفيات في بناء عمليةٍ جديدة وسط كل هذه الفوضى”.

وبعبارةٍ أخرى، فإنّ تكلفة علاج المرة الواحدة بتكوينه الحالي تُشكّل جزءاً بسيطاً من تكلفة قضاء ليلةٍ واحدة داخل وحدة عناية مُركزة أمريكية، إذ يُمكن أن تُكلّف تلك الليلة نحو ستة آلاف دولار.

لكن وقت الاحتفال لم يَحِن بعد. إذ ربما يحدث التحوُّل بعيداً عن هذا النهج للعلاج العائلي الذي يُساعد فيه الجميع بعضهم البعض. إذ من المُحتمل أن يكون النهج البديل هو استحضار القوة في التباعد.

وحان الوقت للتعرّف إلى شركات تجزئة بلازما الدم، وهي سلسلة من الشركات مُتعدّدة الجنسيات التي تنشط في مجال جمع ومعالجة وتوزيع منتجات البلازما منذ عقود. حيث نجحت تلك الشركات في تقديم أجسام مضادة بعينها لعلاج أمراض مثل التهاب الكبد ب أو الوقاية من أمراض مثل داء الكلب، فضلاً عن الحالات النادرة مثل الأطفال الذين يُعانون من بعض حالات عدم تطابق الدم.

وليست هذه تجارةً صغيرة. إذ إنه بحسب تحليل موقع Medgadget الأمريكي للتجارة الحيوية، “فإن حجم سوق تجزئة بلازما الدم العالمي كان يُقدّر بنحو 24.1 مليار دولار عام 2018، ومن المتوقع أن يحظى بمُعدّل نمو سنوي مُركّب يصل إلى 7.1% خلال الفترة المتوقّعة من 2019 وحتى 2026”.

وكما هو الحال دائماً، نجد أنّ العمل الرعاية الصحية بغرض جني الأرباح له بعض الإيجابيات (في الكفاءة والأبحاث والتطوير)، والعديد من السلبيات (التكلفة وفكرة “الأسواق المتنامية” المُزعجة لأمراض بعينها). وفي حال دخول العاملين بمجال تجزئة البلازما لهذا المجال، فمن المحتمل أن يُؤثِروا الغير ويُقدّموا بلازما النقاهة للمرضى بالمجان. ربما يحدث ذلك. وكذلك هو الحال مع كتيبة المُتبرّعين مُقابل أجر، الذين يمنحون الدم لكسب المال (وربما لمساعدة العالم في الوقت ذاته).

لكن القصة المُرعبة لوباء فيروس العوز المناعي البشري في التسعينيات بالصين تُغطّي على هذه المساعي. وربما كان الزمان، والمكان، والمناخ التشريعي مختلفاً تماماً، لكن المأساة لها أبعادٌ تاريخية.

فقبل 25 عاماً، ظهرت خدمات جمع الدم في البلدات والقرى الصغيرة بمقاطعة خنان داخل الصين.

وكان عرضهم لا يُقاوم. إذ كانت الشركة تدفع للمزارع أو زوجته مقابل الحصول على البلازما خلال أيام الشتاء التي تُشبه المجاعات. وبعد جمع الدم، يضعون كافة تبرعات القرية في مكانٍ واحد ليسحبوا منها البلازما، قبل إعادة جزء من خلايا الدم الحمراء إلى كل مُتبرّع حتى يحظى بالقوة الكافية من أجل التبرّع مُجدّداً خلال أسبوعٍ أو اثنين.

لكن المشكلة هنا كانت عدم إجراء أيّ فحص لفيروس العوز المناعي البشري (أو التهاب الكبد)، لذا فإنّ إصابة شخصٍ واحد في المدينة أدّت إلى نشر الفيروس بين كل المتبرّعين وأقاربهم -وحتى النساء الحوامل وأطفالهن. علاوةً على أنّ المنتجات التي بيعت إلى المستشفيات نُقِلَت إلى المرضى الذين انتشر بينهم الفيروس أكثر. وبهذه الطريقة أُصيب 100 ألف شخص على الأقل -وربما وصل العدد إلى 500 ألف شخص- بعدوى فيروس العوز المناعي البشري داخل الصين.

فضلاً عن أن أول طبيبتين أبلغتا عن الحالة، جاو ياوجي وشوبينغ وانغ، تعرّضتا للترهيب والتهميش على نطاقٍ واسع لدرجة أنهن غادرن البلاد بحسب التقارير. ومنذ ذلك الحين، باتت عملية جمع وإدارة الدم أكثر أماناً في الصين، بالتزامن مع إغلاق مراكز جمع البلازما ثم إعادة افتتاحها لتُقدّم خدمات اختبار فيروس العوز المناعي البشري.

وكارثةٌ من هذا القبيل ليس من المُحتمل على الإطلاق أن تتكرّر خلال جائحة كوفيد 19، لكن مزيج اليأس ورغبة شركةٍ ما في سلك بعض الطرق المختصرة قد يُثني أي دولة عن التفكير في هذا النهج العلاجي.

تجدر الإشارة إلى استمرار قصص مُماثلة، على نطاقٍ أصغر، في الصين وباكستان. وتحظى باكستان تحديداً باهتمامٍ خاص لأنّ فيروس العوز المناعي البشري أصاب 900 طفل بسبب الإبر المُلوّثة وليس المنتجات المُلوّثة، والإبر هي جزءٌ أساسي من برنامج بلازما النقاهة من المريض إلى المريض.

ومن المرجح أن يجري التحوّل من المُتبرّع المحلي الحالي إلى نهج المريض المحلي بطريقةٍ آمنة، وربما لن نُواجه مشكلةً في التكلفة. لكن التغيير إلى النموذج الربحي سيقضي على عنصرٍ حاسم: الرضا، وهو ذلك الشعور الذي ينتاب الشخص حين يُساعد الآخرين.

وهو نفس الشعور الذي يحتاجه العالم من أجل اجتياز تهديد الجائحة القائم سواءً جاء ذلك من خلال الالتزام بالتباعد الاجتماعي، أو ضمان الغذاء والمأوى الكافي للجميع، أو التبرّعات التطوّعية بالبلازما التي يُحتمل أن تُنقذ الحياة عند الضرورة.

– هذا الموضوع مُترجم عن شبكة CNN الأمريكية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى